ظهرت سيدة في التسعين من عمرها وقد تلقت لتوّها اللقاح ضد الفيروس اللعين، وتلقّاها ميكرفون قناة تلفزيونية في لندن لتعرب عن شعورها بالذنب لأنها تظن أنَّ هناك مَن هو أحق وأكثر حاجة منها لتلقي اللقاح قبلها، ودعت الى تلقيح مَن هم أصغر عُمراً.
في المعاينة الأولية، يبدو كلام السيدة المسنّة منطقياً ومقبولاً، كون الفئة الأعلى سنّاً ليست الأجدر باللقاح من الفئات الاصغر التي لا تزال تعمل وتحرك عجلة الاقتصاد الراكد، غير انَّ المسؤولية الاخلاقية للحكومات في بريطانيا تنظر لفئة العجائز نظرة احترام لدورها السابق في ايصال البلاد الى ما وصلت اليه من تقدم ونجاح في جميع النواحي، فلا أحد ينظر بعين واحدة متنكراً لبُناة المجتمع الذين ظهر منهم محارب قديم جمع امام كاميرات التواصل الاجتماعي ملايين الجنيهات لمواجهة الوباء، من خلال حركة بسيطة عبر كرسيّه المتحرّك على مساحة بضعة أمتار فحقّق تضامن الملايين معه.
هؤلاء هم المتقاعدون الذين ينزلون في دور المسنين، ولا يزالون في قلب عناية المجتمع والحكومة. هذا الاهتمام الذي نفتقده في مجتمعاتنا، حيث يتزاحم المتقاعدون بطريقة لا تقيم لهم وزناً عند مراجعة دائرة حكومية ، وكانوا كذلك عند استلام الرواتب الهزيلة قبل حل المشكلة نسبياً بالتحويل البنكي. الحكومة مدعوة لأن ترسي قواعد احترام المتقاعدين وتفرضها على الدوائر عامة لكي ينمو الانتباه بين الناس الى انّ هناك فئة عملت وضحت ثلاثة أو أربعة عقود في الوظيفة ولابد ان تعامل باحترام في شؤون اعتبارية بسيطة لها دلالات اخلاقية ترتق ما نفتق من قيم المجتمع.
قبل ايام علمت انّ استاذاً عراقياً ورئيس قسم في زمانه قبل التقاعد قصد مراجعة جامعته في شأن عادي فلم يفلح في الدخول من البوابة إلا بشق الأنفس وبعد تعريض هيبته وكرامته للانتقاص من مجموعة جاهلين باتوا يتصدرون المشاهد أينما ذهبنا.
الأهم من زيارة دائرة التقاعد، الذهاب الى البرلمان بمشروع حفظ الاعتبار للمتقاعدين، وعدم عدّهم حروفاً ساقطة.